لا أفهم وسط زحمة الأعياد والأعراس ، ألا يكون للفراق عيد أيضا ، يحتفل فيه العشّاق بالقطيعة ، كما لو كانت مناسبة سعيدة . لا مناسبة للاحتفال بالنكد ، على طريقة أخينا الذي يُغنّي "عيد ميلاد جرحي أنا " . ثمّ . . كيف أن هذا الكمّ من المجلّات ، التي تتسابق كل صيف لتعليمنا كيف نحبّ ، وماذا نأكل من الأطعمة الْمُثيرة للشهوة ، وماذا نرتدي في المناسبات الحميمة ، وكيف نغنم م...باهج الصيف ، لم تفكّر في نجدتنا بمقالات تعلّمنا كيف نتفادَى الوقوع في مطبّ الحبّ ، ولا الاحتفاظ برأسنا فوق الماء إن نحنُ غرقنا، وكيف نتداوى من عاداتنا العشقيّة السيئة ، بإيقاف تلك الساعة الداخليّة التي تدور عقاربها فينا ، و تجعلنا نواصل العيش بتوقيت شخص، ما عاد موجوداً في حياتنا . الجوع العاطفي لدى القارئات ، فتح شهيّة المجلاّت الفرنسيّة كما اللبنانية ، فخصّصت أغلفتها لحثّنا على تناول الكافيار والسلمون والصَّدَف والشوكولا ، بصفتها أطعمة تفتَح القابليّة على ملذّات أُخرى। كان عليها أن تقول أيضاً لِمَن لا يملك ثمن هذه الأطعمة الفاخرة ، ولا يملك حبيباً يتناولها من أجله، ماذا عليه أن يلتهم ليقْمَع رغباته ؟ وبماذا تنصحنا أن نأكل في فترة نقاهتنا العاطفيّة ؟ وماذا نرتدي وماذا نترك مِن ثياب مُعلَّقة في خزانة الذكريات ؟ وأيَّـة أمكنة نزور للنسيان أو نتحاشَى المرور بها ؟ أي كُتب نُطالِع ؟ لأي أغانٍ نستمع ؟ أيَّـة وجهَـة نُقاطِع في أسفارنا ؟ وبِمَن نستنجد كي نُعجّل في شفائنا ؟ أبالعطّارين وقارئات الفنجان على طريقة نـــزار؟ أم بالمشعوذين والسَّحَـرَة على طريقة الأُمّيات ؟ أم ببائعي المجوهرات ومُصمِّمي الأزياء ، كما تفعل الثريّات ؟ أم فقط بالحلّاقين مادام الشَّعر يسرد تحوّلات المرأة وَيَشِي بتغيُّـراتها النفسيّة ، وتقلّبات مزاجها العاطفيّ . فتسريحة الشعر ولونه وقصّته ، هي أوّل ما تُغيِّرها المرأة عند نهاية قصّة حبّ ، أو بداية علاقة جديدة ، كما لتُعلن أنها أصبحت امرأة أُخرى ، وأنها كما الزواحف ، قادرة على تغيير جلدها ، وخلع ذاكرتها . كلام يجزم به علماء النفس ، ويؤكده الازدحام المتزايد على صالونات الحلاقة النسائية .
..ثـــمَّ ، اعلمن يرحمكنّ اللّه ، أنّ القَطِيعَة العاطفيّة تُصيب بالاكتئاب ، فيتداوى منها البعض بالهجوم على البَـرّاد ، وأخريات باللجوء إلى محال الثياب . وهنا أيضاً، كثيراً ما يَشِي وزننا الزائد بما فقدناه مِن حُــبّ، وتَفيض خزائننا بثياب اقتنيناها لحظة ألـمٍ عاطفيّ ، قصد تجميل مزاجنا، عندما فرغت مفكّرتنا من مواعيد ، ما عدنا نتجمّل لها . بينما تهجم أخريات على الها...تف، يُحادثن الصديقات، ويشغلن أنفسهنّ عن صوتٍ لن يأتي ، ووحده يعنيهنّ ، بثرثرة مع إناث الضجر . للقارئات المبتليات بالهاتف، أُوضّح أنّ الحِمية العاطفية تبدأ برجيم هاتفي ، والامتناع عن الشكوى للصديقات ، عملاً بنصيحة أوسكار وايلد ، الذي كان يقول " إنّ المرأة لا تُواسِـي امرأة أُخرى ، إلاّ لتعرف أسرارها ". أخيــرا .. إن هزَمنا الحنين ، لنتذكّر أنه هزم قبلنا رجالا اعتقدوا أنهم يمازحون النسيان ، وأفسد عليهم إجازتهم الصيفيّة .ألم يعترف نزار : "وحاولتُ بعد ثلاثين عاماً من العشق أن أستقيلَ ، وأعلنتُ في صفحاتِ الجرائد أني اعتزلتُ قراءة ما في عيون النساء، وما في رؤوسِ النساء ، وما تحت جلد النساء، وأغلقتُ بابي لَـعَـلّـي أنام قليلا ، وأغمدتُ سيفي وودّعتُ جندي ، وودّعتُ خيلي التي رافقتني زماناً طويلا ، وحاولتُ إقناع حُـبّـك أنّ إجازة عامٍ على البحر، أو في أعالي الجبالِ، تُفيد كِـلَـيْـنَـا ، ولكنّ حبَّكِ ألقَى الحقائب فوق الرصيفِ وأخبرني أنّه لا يُريد الرحيلَ " .