تـقــــديــــــــم

مرحبا كيف حالك ؟ تريد البقاء هنا ؟

اشفق عليك لآنك ستكتشف ان القدر رتب لك لقاء مع رجل سجين، يبحث عن صيغة مناسبة يقنع بها حوائط غرفته كى يبتعدوا قليلاً عنه حتى يتنفس ..!!


الخميس، 15 أبريل 2010

حبٌّ.. تحت الصفرْ




1
هو البحرُ.. يفصل بيني وبينَكِ..
والموجُ، والريحُ، والزمهريرْ.
هو الشِعْرُ.. يفصل بيني وبينكِ..
فانتبهي للسقوط الكبيرْ..
هو القَهْرُ.. يفصل بيني وبينكِ..
فالحبُّ يرفُضُ هذي العلاقَةَ
بين المرابي.. وبين الأجيرْ..
أحبُّكِ..
هذا احتمالٌ ضعيفٌ.. ضعيفْ
فكلُّ الكلام به مثلُ هذا الكلام السخيفْ
أحبُّكِ.. كنتُ أحبُّكِ.. ثم كرهتُكِ..
ثم عبدتُكِ.. ثم لعنتُكِ..
ثم كَتبتُكِ.. ثم محوتُكِ..
ثم لصقتُكِ.. ثم كسرتُكِ..
ثم صنعتُكِ.. ثم هدمتُكِ..
ثمَّ اعتبرتُكِ شمسَ الشموسِ.. وغيّرتُ رأيي.
فلا تعجبي لاختلاف فصولي
فكل الحدائقِ، فيها الربيعُ، وفيها الخريفْ..
هو الثلجُ بيني وبينكِ..
ماذا سنفعلُ؟
إنَّ الشتاءَ طويلٌ طويلْ
هو الشكُّ يقطعُ كلَّ الجُسُورِ
ويُقْفِلُ كلّ الدروبِ،
ويُغْرِقُ كلَّ النخيلْ
أحبّكِ!.
يا ليتني أستطيعُ استعادةَ
هذا الكلام الجميلْ.
أُحبُّكِ..
أين تُرى تذهبُ الكَلِماتْ؟
وكيف تجفُّ المشاعرُ والقُبُلاتْ
فما كان يمكنني قبل عامَيْنِ
أصبح ضرباً من المستحيلْ
وما كنتُ أكتبُهُ – تحت وهج الحرائقِ –
أصبحَ ضرباً من المستحيلْ..
3
إن الضبابَ كثيفٌ
وأنتِ أمامي.. ولستِ أمامي
ففي أي زاويةٍ يا تُرى تجلسينْ؟
أحاولُ لَمْسك من دون جدوى
فلا شفتاكِ يقينٌ.. ولا شفتايَ يقينْ
يداكِ جليديّتانِ.. زجاجيّتان.. محنّطتانِ..
وأوراقُ أيلولَ تسقُط ذاتَ الشمال وذاتَ اليمينْ
ووجهُكِ يسقط في البحر شيئاً فشيئاً
كنصف هلالٍ حزينْ..
4
تموتُ القصيدةُ من شدَّة البَرْدِ..
من قِلّة الفحم والزيْتِ..
تيبَسُ في القلب كلُّ زهور الحنينْ
فكيف سأقرأ شعري عليكِ؟
وأنتِ تنامينَ تحت غطاءٍ من الثلجِ..
لا تقرأينَ.. ولا تسمعينْ..
وكيف سأتلو صلاتي؟
إذا كنتِ بالشعر لا تؤمنينْ..
وكيف أقدّمُ للكلمات اعتذاري؟
وكيف أُدافعُ عن زمن الياسمينْ؟
5
جبالٌ من الملح.. تفصل بيني وبينكِ..
كيف سأكسر هذا الجليدْ؟
وبين سريرٍ يريدُ اعتقالي..
وبين ضفيرة شعرٍ تكبِّلني بالحديدْ؟
6
أحبُّكِ.. كنت أُحبُّكِ حتى التَنَاثُرِ.. حتى التبعثُرْ..
حتى التبخّرِ.. حتى اقتحامِ الكواكبِ، حتى
ارتكابِ القصيدة،
أُحبُّكِ.. كنتُ قديماً أحبّكِ..
لكنَّ عينيكِ لا تأتيانِ بأيِّ كلامٍ جديدْ
أُحبُّكِ.. يا ليتني أستطيع الدخولَ لوقت البنفسج،
لكنَّ فصلَ الربيع بعيدْ..
ويا ليتني أستطيع الدخولَ لوقت القصيدة،
لكنَّ فصلَ الجنون انتهى من زمانٍ بعيد.
لكنَّ عينيكِ لا تأتيانِ بأيِّ كلامٍ جديدْ
أُحبُّكِ.. يا ليتني أستطيع الدخولَ لوقت البنفسج،
لكنَّ فصلَ الربيع بعيدْ..
ويا ليتني أستطيع الدخولَ لوقت القصيدة،
لكنَّ فصلَ الجنون انتهى من زمانٍ بعيد.

السيرة الذاتية لسياف عربى


أيّها الناسُ :

لقد أصبحتُ سُلطاناً عليكمْ

فاكسروا أصنامكم بعدَ ضلالٍ ،

واعبدوني ..

إنّني لا أتجلّى دائماً

فاجلسوا فوقَ رصيفِ الصبرِ ،

حتّى تبصروني .

أتركوا أطفالكم من غيرِ خُبزٍ ..

واتركوا نِسوانَكم من غيرِ بعلٍ

واتبعوني ..

إحمدوا اللهَ على نعمتهِ

فلقد أرسلني كي أكتبَ التاريخَ ،

والتاريخُ لا يُكتَبُ دوني .

إنّني يوسفُ في الحُسنِ ،

ولم يخلقِ الخالقُ شعراً ذهبيّاً مثلَ شعري

وجبيناً نبويّاً كجبيني ..

وعيوني ..

غابةٌ من شجرِ الزيتونِ واللّوزِ ،

فصلّوا دائماً .. كي يحفظَ اللهُ عيوني .

أيّها الناسُ :

أنا مجنونُ ليلى

فابعثوا زوجاتكم يحملنَ منّي

وابعثوا أزواجَكم كي يشكروني ..

شرفٌ أن تأكلوا حنطةَ جسمي

شرفٌ أن تقطفوا لَوزي .. وتيني

شرفٌ أن تشبهوني ..

فأنا حادثةٌ ما حدثتْ

منذُ آلافِ القرونِ ..



2

أيّها الناسُ :

أنا الأوّلُ ، والأعدَلُ ،

والأجملُ ، من بينِ جميعِ الحاكمينْ

وأنا بدرُ الدُجى ، وبياضُ الياسمينْ

وأنا مخترعُ المشنقةِ الأولى ..

وخيرُ المرسلينْ

كلّما فكّرتُ أن أعتزلَ السُّلطةَ ،

ينهاني ضميري ..

مَن تُرى يحكمُ بعدي هؤلاءِ الطيّبينْ ؟

مَن سيشفي بعديَ ..

الأعرجَ ..

والأبرصَ ..

والأعمى ..

ومَن يحيي عظامَ الميّتينْ ؟

مَن تُرى يخرِجُ من معطفهِ

ضوءَ القمرْ ؟

مَن يا تُرى يرسلُ للناسِ المطرْ ؟

مَن يا تُرى ؟

يجلدهم تسعينَ جلدهْ ..

من يا تُرى ؟

يصلبُهم فوقَ الشجرْ ..

مَن تُرى يرغمُهم

أن يعيشوا كالبقرْ ؟

ويموتوا كالبقرْ ؟

كلّما فكّرتُ أن أتركَهم

فاضتْ دموعي كغمامهْ

وتوكّلتُ على اللهِ ..

وقرّرتُ بأن أركبَ الشعبَ ..

من الآنَ .. إلى يومِ القيامهْ ..



3

أيّها الناسُ :

أنا أملكُكمْ

مثلما أملكُ خيلي .. وعبيدي ..

وأنا أمشي عليكم

مثلما أمشي على سجّادِ قصري ..

فاسجدوا لي في قيامي

واسجدوا لي في قعودي

أوَلمْ أعثرْ عليكم ذاتَ يومٍ

بينَ أوراقِ جدودي ؟

حاذروا أن تقرأوا أيَّ كتابٍ

فأنا أقرأُ عنكمْ ..

حاذروا أن تكتبوا أيَّ خطابٍ

فأنا أكتبُ عنكمْ ..

حاذروا أن تسمعوا فيروزَ بالسرِّ

فإنّي بنواياكمْ عليمْ

حاذروا أن تُنشدوا الشعرَ أمامي

فهو شيطانٌ رجيمْ

حاذروا أن تدخلوا القبرَ بلا أذني ،

فهذا عندَنا إثم عظيمْ

والزَموا الصمتَ إذا كلّمتُكمْ

فكلامي هوَ قرآنٌ كريمْ ..



4

أيّها الناسُ :

أنا مَهديكم ، فانتظروني !

ودمي ينبضُ في قلبِ الدوالي ..

فاشربوني .

أوقفوا كلَّ الأناشيدِ التي ينشدُها الأطفالُ

في حبِّ الوطنْ

فأنا صرتُ الوطنْ ...

إنّني الواحدُ ..

والخالدُ .. ما بينَ جميعِ الكائناتِ

وأنا المخزونُ في ذاكرةَ التفّاحٍ ،

والنايِ ، وزُرقِ الأغنياتِ

إرفعوا فوقَ الميادينِ تصاويري

وغطّوني بغيمِ الكلماتِ ..

واخطبوا لي أصغرَ الزوجاتِ سنّاً ..

فأنا لستُ أشيخْ ..

جسدي ليسَ يشيخْ ..

وسجوني لا تشيخْ ..

وجهازُ القمعِ في مملكتي ليسَ يشيخْ ..



أيّها الناسُ :

أنا الحجّاجُ ، إن أنزعْ قناعي ، تعرفوني

وأنا جنكيزُخانٍ جئتُكمْ ..

بحرابي ..

وكلابي ..

وسجوني ..

لا تضيقوا - أيّها الناسُ - ببطشي

فأنا أقتلُ كي لا تقتلوني ..

وأنا أشنقُ كي لا تشنقوني ..

وأنا أدفنكم في ذلك القبرِ الجماعيِّ

لكيلا تدفنوني ..



5

أيّها الناسُ :

اشتروا لي صحفاً تكتبُ عنّي ..

إنها معروضةٌ مثلَ البغايا في الشوارعْ

إشتروا لي ..

ورقاً أخضرَ مصقولاً كأعشابِ الربيعْ

ومِداداً .. ومطابعْ ..

كلُّ شيءٍ يُشترى في عصرنا

حتّى الأصابعْ ..



إشتروا فاكهةَ الفكرِ ..

وخلّوها أمامي .

واطبخوا لي شاعراً

واجعلوهُ ، بينَ أطباقِ طعامي ..

أنا أمّيٌّ ..

وعندي عقدةٌ مما يقولهُ الشعراءْ

فاشتروا لي شعراءً يتغزّلونَ بحُسني ..

واجعلوني نجمَ كلِّ الأغلفهْ

فنجومُ الرقصِ والمسرحِ ،

ليسوا أبداً أجملَ منّي ..



إشتروا لي كلَّ ما لا يُشترى

في أرضنا أو في السّماءْ

إشتروا لي ..

غابةً من عسلِ النحلِ ..

ورطلاً من نساءْ ..

فأنا بالعملةِ الصعبةِ أشْري ما أريدْ

أشتري ديوانَ بشّارِ بنَ بُردٍ

وشفاهَ المتنبّي ..

وأناشيدَ لَبيدْ ..

فالملايينُ التي في بيتِ مالِ المسلمينْ

هيَ ميراثٌ قديمٌ لأبي

فخُذوا من ذهبي

واكتبوا في أمّهاتِ الكتبِ

أن عصري ..

عصرُ هارون الرشيدْ ...



6

يا جماهيرَ بلادي :

يا جماهيرَ الشعوبِ العربيّهْ

إنّني روحٌ نقيٌّ .. جاءَ كي يغسلكمْ من غبارِ الجاهليّهْ

سجّلوا صوتي على أشرطةٍ ..

إنَّ صوتي أخضرُ الإيقاعِ كالنافورةِ الأندلسيّهْ

صوِّروني .. باسماً مثلَ (الجوكوندا)

ووديعاً مثلَ وجهِ المجدليّهْ ..

صوّروني ..

بوقاري ، وجلالي ، وعصايَ العسكريّهْ

صوّروني ..

وأنا أقطعُ - كالتفّاحِ - أعناقَ الرعيّهْ ..

صوّروني

وأنا أصطادُ وعلاً .. أو غزالاً

صوّروني ..

وأنا أفترسُ الشِّعرَ بأسناني

وأمتصُّ دماءَ الأبجديّهْ

صوّروني ..

عندما أحملُكم فوقَ أكتافي لدارِ الأبديّهْ !

يا جماهيرَ بلادي ..

يا جماهيرَ الشعوبِ العربيّهْ ..



7

أيّها الناسُ :

أنا المسؤولُ عن أحلامكمْ ، إذ تحلُمونْ

وأنا المسؤولُ عن كلِّ رغيفٍ تأكلونْ

وعن الشّعرِ الذي

- من خلفِ ظهري - تقرأونْ

فجهازُ الأمنِ في قصري

يوافيني بأخبارِ العصافيرِ ..

وأخبارِ السنابلْ

ويوافيني بما يحدثُ في بطنِ الحواملْ !



8

أيّها الناسُ :

أنا سجّانُكم ، وأنا مسجونُكم ..

فلتعذروني

إنّني المنفيُّ في داخلِ قصري

لا أرى شمساً .. ولا نجماً ..

ولا زهرةَ دِفلى ..

منذ أن جئتُ إلى السُّلطةِ طِفلا

ورجالُ السّيركِ يلتفّونَ حولي

واحدٌ ينفخُ ناياً ..

واحدٌ يضربُ طبلا ..

واحدٌ يمسحُ جوخاً ..

واحدٌ يسمحُ نعلا ..

منذُ أن جئتُ إلى السّلطةِ طفلا ..

لم يقلْ لي مستشارُ القصرِ : (كلاّ)

لم يقلْ لي وزرائي أبداً لفظةَ (كلاّ)

لم يقلْ لي سفرائي أبداً في الوجهِ (كلاّ)

إنّهم قد علّموني أن أرى نفسي إلهاً ..

وأرى الشعبَ من الشرفةِ رملا ..

فاعذروني .. إن تحوّلتُ لهولاكو جديدٍ

أنا لم أقتلْ لوجهِ القتلِ يوماً ..

إنّما أقتلُكم .. كي أتسلّى

الرسائل المحترقة



حقاً رسالاتي إليك تمزقت
وهن حبيباتي .. وهن روائعي
أأنكر ما فيهن ؟ لا يا صديقتي
عليهن أسلوبي .. عليهن طابعي
عليهن أحداقي ، وزرقة أعيني
وروعة أسحاري وسحر مطالعي
حروفي .. سفيراتي .. مرايا خواطري
وأطيب طيب في زوايا المخادع
وأجمل ما غنيت .. ما طرزت يد
وأكرم ما أعطت أنامل صانع
بأعصاب أعصابي .. رسمت حروفها
وأطعمتها من صحتي ، من مدامعي
وأنفقت أيامي .. أصوغ سطورها
بدقة مثال ، وأشواق راكع
أجيبي .. أجيبي .. ما مصير رسائلي
فإني مذ ضيعتها ألف ضائع ..
ألم تترك النيران منها بقية
ألم ينج حتى مقطع من مقاطعي ؟
حصيلة عام .. تنتهي في دقائق
وتلتهم النيران كل مزارعي
وتذهب أوراقي التي استهلكت دمي
فلا رجع موال .. ولا صوت زارع
أمطعمة النيران .. أحلى رسائلي
جمالك ماذا كان ؟ لولا روائعي
فثغرك بعض من أناقة أحرفي
وصدرك بعض من عويل زوابعي
أنا بعض هذا الحبر .. ما عدت ذاكراً
حدود حروفي من حدود أصابعي

الحب.. على شريط تسجيل



1
كلامُكِ ليسَ يُطاقُ..
وتعبيرُ عينيكِ ليسَ يُطاقُ..
وهذي الأغاني التي يَتَغَرْغَرُ فيها المُسجِّلُ
منذُ ابتداء النهار، إلى مطلعِ الفجرِ
ليست تطاقُ..
ولا بدَّ لي أن أغادرْ..
لماذا أظلُّ هنا؟ حين كلُّ الوسائد ضدِّي..
وكلُّ المقاعد ضدّي..
وكلُّ المرايا.. وكلُّ الزوايا .. وكلُّ الستائرْ..
لماذا أظلُّ هنا بعد موت جميع المشاعرْ؟
لماذا أظلُّ هنا؟
حين أشعر أني سأُشنقُ في آخر الليل..
فوقَ الضفائرْ..
لماذا أظلُّ هنا؟
حين أعرفُ أني سأُدفَنُ تحت رنين العُقُودِ..
وضَوْع البخورِ..
وشكوى الأساورْ..
سأذهبُ حتى أقابلَ شِعْري
فإني نسيتُ تماماً، طريقةَ رَسْمِ الحُروفِ،
نسيتُ بياضَ الدفاترْ..
فنصفي مقيمٌ لديكِ
ونصفي مسافرْ...
3
لكنَّ هذا المناخَ العدائيَّ بيني وبينكِ..
أطفأ كلَّ النجوم،
وأيْبَسَ كلَّ البيادرْ
صحيحٌ.. بأنَّ المكانَ أنيقٌ
وأن النبيذَ عميقٌ
وأنَّ التماثيلَ رائعةٌ، والأزاهرْ
ولكنّني، رَغْمَ هذا الإطار الملوكيِّ حولي،
أحِسُّ بأني أموتُ كشاعرْ...
4
ويا ستَّ كل الجميلاتِ..
وأنَ جُنودَكِ كُثْرٌ..
وأنَّ وصالَكِ قَهْرٌ.. وهَجْرَكِ قَهْرٌ..
وأنَّ الذي لا يسبّحُ باسمكِ كافرْ
فلا تَضَعيني.. بقائمة الرُكَّع الساجدينْ
ولا تُدْخليني.. بجيشِ الدراويش والصابرينْ
ولا تحسبيني..
خَرُوفاً تَجُزِّينَ عن جسمه الصوفَ.. كالآخرينْ
ولا تستبدّي برأيكِ فوقَ فراش الهوى
لأنّي من اللهِ.. لا أتلقى الأوامرْ...
خَرُوفاً تَجُزِّينَ عن جسمه الصوفَ.. كالآخرينْ
ولا تستبدّي برأيكِ فوقَ فراش الهوى
لأنّي من اللهِ.. لا أتلقى الأوامرْ...

رسالة حُبّ (11)-(20)




(11)
أحملكُ كالوّشم على ذراع بدويّ،
أَحملكِ .. كطُعْم الجُدَريّ
وأتسكّع معك..
على كلّ أرصفة العالم.
ليس عندي جوازُ سفر
وليس عندي صورةُ فوتوغرافية
منذ كنتُ في الثالثة من عمري.
إنّني لا أُحبّ التصاوير..
كلّ يوم يتغيّر لونُ عيوني
كلّ يوم يتغيّر مكانُ فمي
كلّ يوم يتغير عددُ أسناني
إنّني لا أحبّ الجلوس
على كراسي المصوّرين..
ولا أحبّ الصورَ التذكارية
كلّ أطفال العالم يتشابهون..
وكلّ المعذّبين في الأرض يتشابهون
كأسنان المشط..
لذلك..
نقعتُ جوازَ سفري القديم..
في ماء أحزاني.. وشربتُه..
وقررتُ..
أن أطوفَ العالم على درّاجة الحريّة
وبنفس الطريقة غير الشرعيّة
التي تستعملها الريح عندما تسافر..
وإذا سألوني عن عُنواني
أعطيتُهمْ عنوان كلّ الأرصفة
التي اخترتُها مكاناً دائماً لاقامتي.
وإذا سألوني عن أوراقي
أريتهمْ عينيك يا حبيبتي..
فتركوني أمرُّ
لأنّهم يعرفون..
أن السفر في مدائن عينيكِ..
من حقّ جميع المواطنين في العالم
(12)
وجهُكِ محفورٌ على ميناء ساعتي
محفورٌ على عقرب الدقائق..
وعقرب الثواني..
محفورٌ على الأسابيع..
والشهور.. والسَنَواتْ..
لم يعد لي زمنٌ خصوصيّ
أصبحتِ أنتِ الزمنْ.
*
إنتهتْ معكِ..
مملكةُ شؤوني الصغيرة.
لم يعد لديَّ أشياء أملكها وحدي.
لم يعد عندي زهورٌ أنسّقها وحدي.
لم يعد عندي كُتُبٌ
أقرؤها وحدي..
أنتِ تتدخّلين بين عيني وبين وَرَقتي.
بين فمي ، وبين صوتي.
بين رأسي ، وبين مخدَّتي.
بين أصابعي ، وبين لُفافتي.
*
طبعاً..
أنا لا أشكو من سُكْناكِ فيّْ..
ومن تدخّلك في حركة يدي..
وحركة جفني.. وحركة أفكاري
فحقولُ القمح لا تشكو من وفرة سنابلها
وأشجارُ التين لا تضيق بعصافيرها
والكؤوس لا تضيق بسكنى النبيذ الأحمر فيها.
كلُّ ما أطلبه منكِ يا سيّدتي
أن لا تتحرّكي في داخل قلبي كثيراً..
حتى لا أتوجّع..
(13)
ليس لكِ زمانٌ حقيقي خارجَ لهفتي
أنا زمانكِ
ليس لكِ أبعادٌ واضحة
خارج امتداد ذراعيّ
أنا أبعادُكِ كلّها
زواياك ودوائرك..
خُطوطُكِ المنحنية..
وخُطوطُكِ المستقيمة.
يومَ دخلتِ إلى غابات صدري
دخلتِ إلى الحريّة
يومَ خرجتِ منها
صرتِ جارية..
واشتراكِ شيخُ القبيلة.
*
أنا علّمتُكِ أسماءَ الشجرْ
وحوارَ الصراصير الليليّة
وأعطيتكِ عناوينَ النجوم البعيدة.
أنا أدخلتكِ مدرسةَ الربيع
وعلّمتكِ لغة الطير
وأبجديَّةَ الينابيع.
أنا كتبتُكِ على دفاتر المطرْ
وشراشف الثلج ، وأكواز الصنوبر
وعلّمتُكِ كيف تكلّمين الأرانبَ والثعالب..
وكيف تمشّطين صُوفَ الخِراف الربيعيَّة.
أنا أطلعتُكِ..
على مكاتيب العصافير التي لم تُنْشَرْ
وأعطيتُكِ .. خرائطَ الصيف والشتاء..
لتتعلّمي .. كيف ترتفع السنابلْ
وتزقزقُ الصيصانُ البيضاءْ..
وتتزوّج الأسماكُ بعضَها..
ويتدفّق الحليبُ من ثدي القمرْ..
لكنّكِ ..
تعبتِ من حصان الحريّة
فرماكِ حصانُ الحريّة
تعبتِ من غابات صدري
ومن سمفونية الصراصير الليليّة
تعبتِ من النوم عاريةً..
فوق شراشف القمر..
فتركتِ الغابة..
ليأكلكِ الذئب..
ويفترسَكِ ــ على سُنَّة الله ورسُوله
شيخُ القبيلة..
(14)
السنتان اللتان كنتِ فيهما حبيبتي
هما أهمُّ صفحتين..
في كتاب الحبّ المعاصرْ.
كلُّ الصفحات ، قبلَهما ، بيضاء
وكلُّ الصفحات ، بعدَهما ، بيضاءْ
إنّهما خطّ الاستواء
المارّ بين فمي وفمك
وهُما المقياس الزمنيّ
الذي تعتمده المراصد
وتُضبطُ عليه كلّ ساعات العالم..
(15)
كُلّما طالَ شَعْرُكِ
طالَ عُمْري..
كُلَّما رأَيتُهُ منثوراً على كتفيكِ
لوحةً مرسومةً بالفحم،
والحبر الصينيّ..
وأجنحة السنُونُو
حوَّطتُهُ بكلّ أسماء الله..
هل تعرفين؟
لماذا أستميتُ في عبادة شَعْرك..
لأنّ تفاصيلَ قصّتنا
من أوّل سطر إلى آخر سطرٍ فيها
منقوشةٌ عليه..
شعرُكِ .. هو دفترُ مذكّراتنا
فلا تتركي أحداً..
يسرقُ هذا الدفترْ..
(16)
عندما تضعين رأسكِ على كَتِفي..
وأنا أسوق سيّارتي
تترك النجومُ مداراتها
وتنزل بالألوف..
لتتزحلق على النوافذ الزجاجيّة..
وينزل القمر..
ليستوطنَ على كَتِفي..
عندئذ..
يصبح التدخينُ معكِ مُتْعة..
والحوارُ متعة
والسكوتُ متعة
والضَياعُ في الطُرُقاتِ الشتائيهْ
التي لا أسماء لها..
متعة.
وأتمنّى .. لو نبقى هكذا إلى الأبد
المطر يُغنّي..
ومَسَّاحات المطر تُغنّي
ورأسك الصغير،
متكمّشٌ بأعشاب صدري
كفراشةٍ إفريقية ملوّنة
ترفض أن تطير..
(17)
كُلَّما رأيتُكِ..
أيأسُ من قصائدي.
إنّني لا أيأس من قصائدي
إلا حين أكونُ معك..
جميلةٌ أنتِ .. إلى درجةِ أنّني
حين أفكّر بروعتك .. ألهث..
تلهث لغتي..
وتلهث مُفْرَداتي..
خلّصيني من هذا الإشكال..
كُوني أقلّ جمالاً...
حتى أستردَّ شاعريتي
كُوني امرأةً عادية..
تتكحّل .. وتتعطّر .. وتحبل .. وتلِدْ
كُوني امرأةً مثلَ كلّ النساء..
حتى أتصالح مع لغتي..
ومع فمي..
(18)
لستُ معلِّماً..
لأعلّمك كيف تُحبّينْ.
فالأسماك، لا تحتاج إلى معلِّمْ
لتتعلَّمَ كيف تسبحْ..
والعصافير، لا تحتاج إلى معلِّمْ
لتتعلّمَ كيف تطير..
إسبحي وحدَكِ..
وطيري وحدَكِ..
إن الحبّ ليس له دفاتر..
وأعظمُ عشّاق التاريخ..
كانوا لا يعرفون القراءة..
(19)
دعي بورجوازيَّتكِ ، يا سيّدتي
وسريرَ لويس السادس عشر
الذي تنامين عليه..
دعي عطورَك الفرنسية
وحقائبك المصنوعة من جلد التمساح..
واتبعيني..
إلى جُزُر المطر..
والأناناسْ..
والتوابل الحارقة..
حيث مياه السواحل ساخنة كجسدك..
وثمار المانغو..
مستديرة كنهديكِ..
إرمي كلَّ شيء وراءك..
واقفزي على صدري..
كسنجاب إفريقي..
فأنا يعجبني..
أن تتركي خدشاً واحداً على سطح جلدي.
أو جرحاً واحداً على زاوية فمي..
أتباهى به..
أمام رجال العشيرة..
آهِ .. يا امرأةَ التردّد .. والبرودْ
يا امرأة ماكس فاكتور.. وإليزابيت آردنْ
متحضِّرة أنتِ إلى درجة لا تحتملْ..
تجلسين على طاولة الحب..
وتأكلين بالشوكة والسكّينْ
أما أنا يا سيّدتي..
فبدويّ يختزن في شفتيه
عصوراً من العطش..
ويخبّئ تحت عباءته
ملايينَ الشموس..
فلا تغضبي منّي..
إذا خالفتُ آدابَ المائدة
ونزعتُ عن رقبتي الفوطةَ البيضاء
وعرَّيتكِ من ملابسك التنكّرية
وعلّمتكِ ..
كيف تأكلين بكلتا يديكِ
وتعشقين بكلتا يديكِ
وتركضين على رمال صدري
كمهْرةٍ بيضاءْ
تصهل في البادية..
(20)
لأنّني أُحبُّكِ..
يحدث شيءٌ غير عاديّ
في تقاليد السماء..
يصبح الملائكةُ أحراراً في ممارسة الحبّ..
ويتزوّج اللهُ .. حبيبته..