تـقــــديــــــــم

مرحبا كيف حالك ؟ تريد البقاء هنا ؟

اشفق عليك لآنك ستكتشف ان القدر رتب لك لقاء مع رجل سجين، يبحث عن صيغة مناسبة يقنع بها حوائط غرفته كى يبتعدوا قليلاً عنه حتى يتنفس ..!!


الأربعاء، 12 مايو 2010

غيابك لم يحدث ........( الى حبيبتى)




(1)
تسألين :
ماذا فعلت في غيابك ؟
غيابك لم يحدث .
ورحلتك لم تتم .
ظللت أنت وحقائبك قاعدة على رصيف فكري
ظل جواز سفرك معي
وتذكرة الطائرة في جيبي ..
ممنوعة أنت من السفر ..
إلا داخل الحدود الإقليمية لقلبي ..
ممنوعة أنت من السفر ..
خارج خريطة عواطفي واهتمامي بك ..
أنت طفلة لا تعرف أن تسافر وحدها ..
أن تمشي على أرصفة مدن الحب .. وحدها ..
أن تنزل في فنادق الأحلام .. وحدها .
تسافرين معي .. أو لا تسافرين ..
تتناولين إفطار الصباح معي ..
وتتكئين في الشوارع المزدحمة على كتفي .
أو تظلين جائعة ..
وضائعة ..
رسالتك في صندوق بريدي
جزيرة ياقوت ..
ويوم تغمضين عينيك ..
يختفي قلبى .
لم أكن أتصور من قبل ..
أن امرأة تقدر أن تعمر مدينة ..
أن تخترع مدينة ..
أن تعطي مدينة ما ..
شمسها ، وبحرها ، وحضارتها ..
لماذا أتحدث عن المدن والأوطان ؟
أنت وطني ..
وجهك وطني ..
صوتك وطني ..
تجويف يدك الصغيرة وطني ..
وفي هذا الوطن ولدت ..
وفي هذا الوطن ..
أريد أن أموت ..

(2)
رسالتك في صندوق بريدي
شمس إفريقية ..
وأنا أحبك .
على مستوى الهمجية أحبك ..
على مستوى النار والزلازل أحبك ..
على مستوى الحمى والجنون .. أحبك
فلا تسافري مرة أخرى ..
رسالتك في صندوق بريدي ..
ديك مذبوح ..
ذبح نفسه .. وذبحني ..
أحب أن يكون حبي لك على مستوى الذبح
على مستوى النزيف والإستشهاد ..
أحب أن أمشي معك دائماً
على حد الخنجر ..
وأن أتدحرج معك عشرة آلاف سنة
قبل أن نتهشم معاً على سطح الأرض ..

(3)
تلبسين ملابس الهيبيين ..
وتعلقين على شعرك الزهور
وفي رقبتك الأجراس ..
تقرأين تعاليم ماو ..
وكل كتب الثورة الثقافية ..
وتمشين في المسيرات الطويلة
ترفعين لافتات الحرية
وتطالبين أن يحكم الطلاب العالم
وأن يكسروا جدران العالم القديم ..
وحين يهاجمك الحب ..
كوحش أزرق الأنياب ..
ترتعشين أمامه كفأةر مذعورة ..
وترمين صورة ماو على الأرض
وترمين معها ، كل لافتات الحرية
التي رفعتها .. أنت وزميلاتك ..
وتلتجئين باكية ..
إلى صدر جدتك
وتتزوجين ..
على طريقة جدتك ..

( 4 )
أشعر بالحاجة إلى النطق باسمك هذا اليوم ..
أشعر بحاجة إلى أن أتعلق بحروفه كما يتعلق طفل بقطعة حلوى ..
منذ زمن طويل لم أكتب اسمك في أعلى الرسائل .
لم أزرعه شمساً في رأس الورقة .. لم أتدفا به ..
واليوم ، وتشرين يهاجمني ويحاصر نوافذي ، أشعر
بحاجة إلى النطق به . بحاجة إلى أن أوقد ناراً صغيرة .. بحاجة
إلى غطاء .. ومعطف .. وإليك .. يا غطائي المنسوج من زهر
للبرتقال ، وطرابين الزعتر البري ..
لم أعد قادراً على حبس اسمك في حلقي . لم أعد قادراً
على حبسك في داخلي مدة أطول . ماذا تفعل للوردة بعطرها ؟
أين تذهب الحقول بسنابلها ، والطاووس بذيله ، والقنديل بزيته ؟
أين أذهب بك ؟ أين أخفيك ؟
والناس يرونك في إشارات يدي ، في نبرة صوتي ، في
إيقاع خطواتي ..
الناس يرونك قطرة مطر على معطفي ، زراً ذهبياً في
كم قميصي ، كتاباً مقدساً معلقاً بمفاتيح سيارتي .. جرحاً
منسياًَ على ضفاف فمي ..
وتظنين بعد ذلك كله ، أنك مجهولة وغير مرئية ..
من رائحة ثيابي يعرف الناس أنك حبيبتي ، من رائحة
جلدي يعرف الناس أنك كنت معي ، من خدر ذراعي يعرف
الناس أنك كنت نائمة عليها ..
لن أستطيع إخفاءك بعد اليوم ..
فما أناقة خطي يعرف الناس أني أكتب إليك ..
من فرحة خطاي يعرفون أنني ذاهب إلى موعدك ..
من كثافة العشب على فمي يعرفون أني قبلتك ..
لا يمكننا .. لا يمكننا .. أن نستمر في ارتداء الملابس
التنكرية .. بعد الآن ..
فالدروب المبللة التي وقفت على أكتافنا سوف تخبر
العصافير الأخرى ..
كيف تريديني أن أمحو أخبارنا من ذاكرة العصافير ..
كيف يمكنني أن أقنع العصافير .. أن لا تنشر مذكراتها ؟

(5)

هذه رسالة عادية ، عن يوم غير عادي .
قليلة جداً هي الأيام غير العادية في حياة الإنسان . الأيام
التي يخرج بها من قفص بشريته .. ليصبح عصفوراً .
يوم .. أو نصف يوم .. ربما.. في حياة الإنسان كلها ،
يخرج فيه من السيلول الضيق ، ليمارس حريته ، ليقول ما
يشاء .. ويحرك يديه كما يشاء ، ويحب من يشاء في الوقت
الذي يشاء ..
نادراً ما يصل الإنسان إلى ذروة حريته ، فيخرج من
الصندوق المختوم بالشمع الأحمر الذي هو العادات اليومية
والمصطلحات الاجتماعية ، ليرى حبيبته على الطبيعة ..
ويحبها على الطبيعة ..
الإنسان مدعي حرية .. وليس حراً كما يتصور . إنه
ليس حراً حتى في صلاته مع يديه ، وشفتيه ، وثيابه ، وكلامه
وحواره اليومي ..
فإذا كتبت لك عن هذا اليوم غير العادي ، فلأنني أشعر
أنني تحررت في هذا اليوم من دبقي ومن صمغي .. وخرجت
من صندوق النفاق الإجتماعي ، ومن مغارة التاريخ ، لأمارس
حريتي كما يمارسها أي عصفور شارد في البرية .

(6)


البحر كتاب أزرق الغلاف .. أزرق الصفحات ..
وأنت بثوب الإستحمام ، تقرأين تحت الشمس .
الحشرات الصغيرة تزحف على جسدك الزنبقي لتشرب
الضوء ..
ظهرك مكشوف .. وقدماك تلعبان بحرية وطفولة على
العشب النابت أمام باب بيتنا البحري ..
وأخيراً .. أصبح لنا باب .. ومفتاح .. ومنزل بحري
التجيء إليه ..
ربما لا تدركين معنى أن يكون للإنسان بيت ، ومفتاح ،
وامرأة يحبها ..
ربما لا تدركين أنني تلميذ هارب من جميع مدارس
الحب ومعلميها ..
هارب من ممارسة الحب بالإكراه ، وممارسة الشوق
بالإكراه ، وممارسة الجنس بالإكراه ..
وللمرة الأولى ، أدخل معك منزلنا
البحري فلا أشعر أن له سقفاً .. وجدراناً ..
للمرة الأولى أدفن وجهي في صدر امرأة أحبها .. وأتمنى
أن لاأستيقظ ..
للمرة الأولى أقيم حواراً طويلاً مع جسد امرأة أحبها ..
ولا أفكر في الحصول على إجازة ..
للمرة الأولى منذ عصور ، أفكر بتجديد إقامتي معك ..
وحين يفكر رجل في تمديد إقامته مع امرأة .. فهذا يعني أنه
دخل مرحلة الشعر .. أو مرحلة الهيستيريا ..

(7)


البحر شريط من الحرير الأزرق على رأس تلميذة ..
ونهداك يقفزان من الماء .. كسمكتين متوحشتين ..
وأنا أنكش في الرمل الساخن بحثاً عن لؤلؤة تشبه استدارة
نهديك ..
نخلت كل ذرات الرمل ، وفتحت مئات الأصداف ،
ولم أعثر على لؤلؤة بملاستها ..
إنتهى رمل البحر كله .. وانتهت قواقعي كلها .. ورجعت
إلى صدرك نادماً ومعتذراً .. كطالب راسب في امتحاناته ..
نتخبط في الماء .. كطائرين بحريتين لا وطن لهما ..
قطرات الماء تكرج على الجسدين المتشابكين ..
تتدحرج .. تشهق .. تغني .. ترقص .. تصرخ .. لا
تعرف أي الجسدين تبلل ..
قطرات الماء دوختها جغرافية الجسدين المتداخلين ..
لم تعد تعرف أين تسقط .. على أي أرض تتزحلق ..
ضاعت جنسية الرخام . لم يعد للعنق اسم .. ولا للذراع
اسم .. ولا للخصر اسم .. ضاعت أسماء الأسماء .. الرخام
كله معجون ببعضه .. براري الثلج كلها تشتعل .. وأنا ..
وأنت .. مزروعان في زرقة الماء .. كسيفين من الذهب ..

(8)
الحب يحرقنا كصدفتين صغيرتين ..
وأنا أتمسك بشعرك بشراسة إنسان يغرق..
لم يكن بإمكاني أن أكون أكثر تحضراً ، فحين تلتصقين
بي كسمكة زرقاء .. لنستقر في قعر البحر سفينتين لا يعرف أحد
مكانهما ..

(9)
إنتهى يومنا البحري ..
ذهبت أنت . وظلت رغوة البحر تزحف على جسدي ..
ظلت الشمس جرحاً من الياقوت على جبيني .
حاولت أن أستعيدك ، وأستعيد البحر ..
نجحت في استرداد البحر .. ولم أنجح في استردادك ..
فما يأخذه البحر لا يرده .
حاولت أن أركب يومنا البحري تركيباً ذهنياً ..
وألصق عشرات التفاصيل الصغيرة ببعضها .. كقطع الفسيفساء .
تذكرت كل شيء .
قبعتك البيضاء ، ونظارة الشمس ، وكتابك الفرنسي
المطمور بالرمل .. حتى النملة الخضراء ، التي كانت تتسلق
على ركبتك الشمعية .. لم أنسها .. حتى قطرات العرق التي
كانت تتزحلق كحبات اللؤلؤ .. على رقبتك لم أنسها ..
حتى قدمك الحافية التي كانت تتقلب على الرمل ،
كعصفورة عطشى .. لم أنسها ..

(10)
إنتهى يومنا البحري ..
لا زال ثوب استحمامك البرتقالي ، مشتعلاً كشجرة
الكرز في مخيلتي ..
لا زال الماء المتساقط من شعرك .. يبلل دفاتري ..
كل سطر أكتبه .. يغرق في الماء .
كل قصيدة أكتبها .. تغرق في الماء ..
كل جبل أصعد إليه .. يحاصره الماء ..
فاحملي بحرك ، يا سيدتي ، وانصرفي
واتركي الشمس .. تشرق ثانية ، على جسدي ..
(11)

إنتهى يومنا البحري ..
وكتب البحر في دفتر مذكراته :
(( كانا رجلاً وامرأة ..
وكنت بحراً حقيقياً .. ))




الإسم: جميلةُ بوحَيرَدْ
رقمُ الزنزانةِ: تِسعُونا
في السجن الحربيَّ بوَهران
والعمرُ اثنانِ وعشرُونا
عينانِ كقنديلي معبَدْ
والشعرُ العربيُّ الأسوَدْ
كالصيفِ ..
كشلاَّلِ الأحزان
إبريقٌ للماءِ .. وسجَّان
ويدٌ تنضمُّ على القُرآن
وامرأةٌ في ضوء الصبحِ
تسترجع في مثل البوحِ
آياتٍ مُحزنة الإرنان
من سُورةِ (مَريمَ) و(الفتَحِ)
*
الإسمُ: جميلةُ بوحيَردْ
إسمٌ مكتوبٌ باللهَبِ ..
مغموسٌ في جُرح السُحُبِ
في أدَب بلادي. في أدَبي ..
العُمرُ اثنانِ وعشروُنا
في الصدر استوطن زوجُ حَمام
والثغرُ الراقدُ غصنُ سَلام
إمراةٌ من قُسطنطينه
لم تعرف شفتاها الزينه
لم تدخُل حجرتَها الأحلام
لم تلعبْ أبداً كالأطفالْ
لم تُغرم في عقدٍ أو شال
لم تعرف كنساءِ فرنسا
أقبيةَ اللذَّةِ في (بيغال)
*
الإسمُ: جميلةُ بوحَيَردْ
أجملُ أغنيةٍ في المغرب
أطولُ نَخلَهْ
لمحتها واحاتُ المغرِب
أجملُ طفلَهْ
أتعبتِ الشمسَ ولم تتعب
يا ربّي . هل تحتَ الكوكَب ؟
يوجدُ إنسانْ
يرضى ان يأكُلَ .. أن يشرَب
من لحم مُجاهِدةٍ تُصلب ..
*
أضواءُ ( الباستيلِ) ضئيله
وسُعالُ امرأةٍ مُسلُوله ..
أكلتْ من نهديها الأغلال
أكلَ الأندالْ
( لاكوستُ) وآلافُ الأنذال
من جيش فرنسا المغلوبه
إنتصروا الآن على أنثى
أنثى .. كالشمعة مصلوبه
القيد يعضُّ على القَدمَين
وسجائرُ تُطفأ في النهدين
ودمٌ في الأنفِ .. وفي الشفتين
وجراحُ جميلةُ بوحيرد
هيَ والتحريرُ على موعِد
*
مقصلةٌ تنصبُ .. والشرار
يلهونَ بأنثى دون إزار
وجميلةُ بين بنادقِهم
عصفورٌ في وسط الأمطار
الجسدُ الخمريَّ الأسمر
تنفضُهُ لمساتُ التيَّار
وحروقٌ في الثدي الأيسَر
في الحلمةِ ..
في .. في .. ياللعار ..
*
الإسمُ: جميلةُ بوحَيردَ
تاريخٌ: ترويه بلادي
يحفظُهُ بعدي أولادي
تاريخ امراة من وطني
جلدت مقصلةَ الجلاَّدِ ..
إمرأةٌ دوَّختِ الشمسا
جرحت أبعادَ الأبعادِ ..
ثاثرةٌ من جبل الأطلَس
يذكرها الليلكُ والنرجس
يذكرُها .. زهرُ الكبَّاد ..
ما أصغرَ( جان داركَ ) فرنسا
في جانب( جان داركَ ) بلادي..